عصفور في اللازمنمكان، عُصْفُورُ أَوَّلِ الشِّتَاءِ
عُصْفُورُ أَوَّلِ الشِّتَاءِ
ذَاتَ يَومٍ مِن أَيَّامِ الـ"لَا زَمَنِ وَلَا مَكَانِ" "اللازمنمكان" ، بَينَمَا كُنتُ أَتَسَكَّعُ دَالِفًا إِلَى مَقَرِّ عَمَلِي، وَأَتَمَلْمَلُ يَمِينًا وَيَسَارًا، إِذْ فَجْأَةً تَتَسَمَّرُ عَيْنَايَ عَلَى هَذَا المَشْهَدِ عَلَى حَافَّةِ نَافِذَةِ البِنَايَةِ.
تَجْلِسُ فِي مُنْتَهَى الهُدُوءِ وَالسَّكِينَةِ، ضَامَّةً جناحيها حول جَسَدَهَا وحَوْلَ نَفْسِهَا، مُغْمِضَةَ العَيْنَيْنِ بِجَفْنٍ نِصْفِ شَفَّافٍ. اقْتَرَبْتُ مِنْهَا لِأَرَى إِنْ كَانَتْ بِخَيْرٍ، فَلَمْ تَأْبَهْ لِاقْتِرَابِي. لَمْ يَرْمُشْ لَهَا جَفْنٌ، وَلَمْ تَهْتَزَّ مِنْهَا شَعْرَةٌ.
أَعْلَمُ تَمَامًا أَنَّهَا تَرَانِي أَقْتَرِبُ، وَرَغْمَ ذَلِكَ لَمْ تَهْتَزَّ مِنْهَا شَعْرَةٌ، إِلَّا مَا تُدَاعِبُهُ قَسَمَاتُ الصَّبَاحِ اللَّاذِعَةِ الشِّتَوِيَّةِ.
اقْتَرَبْتُ أَكْثَرَ، حَتَّى كِدْتُ أَلْمَسُ جَسَدَهَا، وَلَمْ تَهْتَزَّ. سَأَلْتُهَا: "هَلْ أَنْتِ بِخَيْرٍ؟!"، فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا وَأَوْمَأَتْ إِيجَابًا.
هَمَمْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ إِلَى حَالِ سَبِيلِي، وَسِرْتُ فِي طَرِيقِي، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ أَدْلُفَ إِلَى البِنَايَةِ، أَلْقَيْتُ عَلَيْهَا نَظْرَةً أَخِيرَةً؛ لِأَجِدَهَا تُفْرِدُ جناحيها لِشُعَاعِ شَمْسٍ ضَئِيلٍ يَخْتَرِقُ عَبَابَ الغُيُومِ وَالسُّحُبِ، وَيَشُقُّ لِنَفْسِهِ فَجْوَةً، وَكَأَنَّمَا يَسْطَعُ خُصُوصًا لَهَا.
لِيَخْتَصَّهَا وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا بِالدِّفْءِ، وَكَأَنَّمَا غَلَّفَهَا بِأَحْضَانِهِ، لِيُصْبِغَ عَلَيْهَا رِدَاءً مِن نُورٍ، فَيَتَّحِدَ جَسَدُهَا بِمَا فِيهِ مِن أَلْوَانٍ مَعَ شُعَاعِ الدِّفْءِ وَالنُّورِ. ثُمَّ فْرَدت جَنَاحَيْهَا لتَسْتَقْبِل يَوْمًا جَدِيدًا بِنَظْرَةٍ مِنْ علا.
إِلَى أَنْ أَلْقَاكِ غَدًا، يَا عَزِيزَتِي... سَلَام.
Comments
Post a Comment