العصير الأخير

العصير الأخير

كان الوقتُ وقتَ انصراف، والبابُ يزدحم بالأقدامِ الصغيرةِ التي تركضُ نحو الخارج.

 جرى سريعًا، كعادته، ليغادر قبل الجميع، لكن شيئًا كان مختلفًا اليوم. لم يجد أخاه ينتظره. وقف ساكنًا، لا يتحرّك، كأنّ الأرضَ قد شدّته إليها. أخوه دائمًا هناك، يُلوّح له من بعيد، يبتسم، يفتح له الطريق. لكن اليوم... لا أحد.

بقي واقفًا قرب الباب، يُراقب الوجوه، يبحث بينها عن وجهٍ مألوف. انصرف الجميع، ولم يبقَ إلّا هو ورفيقةُ مقعده، "چيچي"، التي اقترحت عليه أن يلعبا في الحديقة حتى تأتي والدتها. وافق بصمت، دون أن يفهم تمامًا ما يحدث.

في الخارج، كان الضجيجُ يتصاعد. المُدرّسون يركضون، العاملون يصرخون، الطريق أُغلق، والهلعُ يملأ المكان. لم يفهم الطفلان شيئًا. كانا في عالمهما الصغير، حيث اللعب هو الحقيقة الوحيدة.

ثم جاءت مُدرّسةُ التدبير المنزلي، وسألت "چيچي" عن والدتها. أجابت ببراءة: "لا أعلم." وبعد لحظات، ظهرت الأم، تركض نحوهما، تضمّهما بقوة، تبكي، تهمهم، لا تشرح شيئًا. حملتهما معًا، كأنّهما كنزٌ يجب ألّا يُفقد.

حاول أن يُفلت من حضنها، بلطف، ليبحث عن أخيه. قال لها: "أخي تأخّر، يجب أن أذهب إليه، سيقلق إن لم يجدني." لكنها بكت أكثر، وقالت له: "سيتأخّر قليلًا اليوم، سننتظره سويًّا، العبوا في الحديقة."

جاءت المدرسة بزجاجتَي عصير، وأعطتهما لهما، وأصرّت أن يشربا قبل اللعب. شربا، ثم نزلا إلى الحديقة. لكن "چيچي"، بعقلها الصغير الحاد، سألت: "هل تعرف ماذا حدث؟ لماذا لا تبكي؟" أجابها: "ولماذا أبكي؟ الرجال لا يبكون." قالت له: "هل تريد رؤية أخيك؟" أجابها بعينين متلهّفتين: "نعم، أين هو؟ لقد تأخّر كثيرًا." قالت: "هيا، أحضر حقيبتك، وسأجعلك تراه."

أخذ حقيبته الصغيرة، وركض خلف "چيچي" التي كانت تمشي بخطًى واثقة، كأنّها تعرف الطريق إلى الحقيقة. عبرا الحديقة، متجاوزَين الأرجوحة التي كانت دائمًا محطّ لعبهما، ثم انعطفا نحو الباب الخارجي، حيث لا يذهب الأطفال عادةً.

قالت له بصوتٍ خافت: "أخبروني أن لا أقول شيئًا... لكنّي سمعتهم يتحدّثون." توقّف، ونظر إليها بدهشة: "عن ماذا؟" قالت: "عن حادث... سيارة... الطريق مزدحم، وكان هناك طفل..."

تجمّد في مكانه. قلبه الصغير بدأ ينبض بسرعة، لكنه لم يفهم تمامًا. "هل رأيت أخي؟ هل هو هناك؟" أشارت إلى حافلةٍ متوقّفة، يلتفّ حولها جمعٌ غفير، تخرج منهم أصواتُ صراخٍ وعنفٍ وتوعّد، وهمساتٌ وبكاءٌ مكتوم.

اقترب بخطواتٍ متردّدة، وكلّ خطوةٍ كانت أثقل من التي قبلها. تسلّل بين الحشد، فرأى مُدرّسيه يبكون، ومديرَ المدرسة يتحدّث في الهاتف، وكان أخوه هناك.

تراجع خطوة، ثم اثنتين، ثم ركض. خرج من بين الحشد، فأمسكت به رفيقته ووالدتها، ورفعته عن الأرض، وركضت به عبر الشارع، وعبر البوابة. تجاوز البوابة، ووقف في منتصفها، يبحث بعينيه عن وجهه المألوف، عن ابتسامته، عن يده التي تُلوّح له دائمًا.

لكن الطريق كان فارغًا.

جاءت "چيچي" خلفه، أمسكت بيده، وقالت: "قالوا إنّه بخير... لكنه في المستشفى. سيأتي لاحقًا، فقط علينا أن ننتظر."

جلس على الرصيف، حقيبته بجانبه، والعصير لا يزال في يده، لم يُكمل شربه. نظر إلى السماء، ثم إلى "چيچي"، وقال: "أنا لا أبكي... لكن قلبي يبكي." فقالت: "أنا أيضًا."

جلسا هناك، في صمت، والعالم من حولهما يواصل الركض، لا يعرف أنّهما ينتظران شيئًا أكبر من الوقت... وهو لا يزال ينتظر


Comments

Popular