قبيح الوجه

 قبيحُ الوَجهِ


حينَ رأيتُهُ، دَبَّ الرُّعبُ في قلبي، وصَرَخَ أولادي رُعبًا منه. فما كانَ منهُ إلّا أن طَأطَأَ رأسَهُ حُزنًا، وكأنَّ عَينَيهِ كادَتا تَنطِقانِ: "وما ذَنبي في خِلقةِ وجهي؟"


وجدتُهُ بينَ أحضانِ تُوأمَي، وكأنَّهُ صَديقٌ حميمٌ يَعرِفُونهُ من زمنٍ قديم. وبدأتْ أوَّلُ جَولاتِ اللَّعب. انقضَتْ ساعةٌ أو ساعتان، وكنتُ مُنهَكًا من العمل، فخَلَدتُ إلى النوم.


وإذ بـ"قبيحِ الوجهِ" يَركُضُ بكلِّ قوَّةٍ وشراسة، ويَكشِرُ عن أنيابِهِ مُعلِنًا: "لن يُوقِفَني شيءٌ أو كائنٌ ما كان!" وفجأةً، دَفَعَ زوجتي جانبًا، ودَخَلَ بينَ أحضاني.


لم أعرِفْ يومًا دِفئًا أو حُبًّا مثلَ هذا. دونَ كلماتٍ، دونَ لُغاتٍ، دونَ أيِّ شيء... "قبيحُ الوجهِ" دَخَلَ قلبي، لا أحضاني. كانتْ عَيناهُ تَنطِقانِ بكلِّ شيء، وأصبحَ حارسيَ الشخصيَّ، حتّى من نفسي.


وذاتَ يومٍ، كنتُ مُنهَكًا في العملِ لدرجةٍ أنَّني لم أُلاحِظْ أنَّني جَريح، وأنَّ الجُرحَ قد التأمَ على صَديد. وجدتُهُ يَجلِسُ بجانبي، ويتَحَسَّسُ قدمي، وإذا بهِ فجأةً يُخرِجُ أنيابَهُ، وفي أقلَّ من لحظةٍ، اختَطَفَ 

قطعةً من الجُرح، وامتصَّ الصَّديد، وأسرَعَ هاربًا لِيَتقيَّأَهُ بعيدًا عن جسدي.

...قُمتُ غاضبًا، لا من فِعلِه، بل من نفسي. كيف لم أَرَ ما كان يُعانيه؟ كيف لم أُدرِك أنَّ "قبيحَ الوجهِ" لم يكن قبيحًا إلّا في عيونِنا؟


ركضتُ خلفَه، وجدتهُ يَرتَجِفُ خلفَ الباب، يَنظُرُ إليَّ بعينَينِ تَرجُوانِ الغُفران. جلستُ بجانبه، وضعتُ يدي على رأسِه، وقلتُ: "أنتَ أجملُ من كلِّ الوجوهِ التي تَمرُّ دون أن تَشعُر."


منذُ ذلكَ اليوم، لم يَعُدْ "قبيحُ الوجهِ" غريبًا. صارَ فردًا من العائلة، حارسًا، صديقًا، وربّما... مرآةً 

نرى فيها قُبحَ أحكامِنا، لا وجوهَ الآخرين.

وصارَ "قبيحُ الوجهِ" صَديقي الوحيدَ، الذي يَشعُرُ بألمي قبلَ أن أتألَّم، ويَقرأُ في وجهي ما لا يراهُ سائرُ الناس. صارَ رفيقي الذي يُصِرُّ على أن يَصطحِبَني في نُزهاتي، وسكرتيري الخاصَّ الذي يَحرِصُ على حياتي أكثرَ منِّي.


بلْ إنَّهُ، وبِلا تَردُّد، تَقمَّصَ بعضَ أدوارِ الأبِ لتوأمَي، فكانَ الحارسَ الأمينَ لهما أثناءَ اللَّعبِ والتَّجوال، يَشعُرُ بالخطرِ ويُبعِدُهُما عنهُ، حتّى قبلَ أن يُدرِكَ البشرُ أنَّ هناكَ خطرًا.


"قبيحُ الوجهِ"؟ لا، بلْ بديعُ الخِلقةِ والخُلُقِ، جميلٌ في جوهرِه، نقيٌّ في فِطرَتِه، صادقٌ في حُبِّه.


وذاتَ مساءٍ، وبينما كانَ التوأمانُ يَضحكانِ في الحديقةِ، جلسَ بجانبي، ووضعَ رأسَهُ على رُكبتي، ونَظَرَ إليَّ بعينَينِ تَغمرُهما الطُّمأنينة. همَسَتْ نظرتُهُ لي: "أنا هنا... لا تخَف."


في تلكَ اللَّحظةِ، أدركتُ أنَّ الجمالَ ليسَ في الملامحِ، بلْ في الأفعالِ. وأنَّ القُبحَ الحقيقيَّ هو أنْ نُحكِّمَ أعينَنا قبلَ قلوبِنا.


ومنذُ ذلكَ اليوم، لم يَعُدْ "قبيحُ الوجهِ" مجرَّدَ كائنٍ غريبٍ، بلْ صارَ مرآتي، وذاكرتي، وظلِّي الذي لا يُفارِقُني. صارَ قصَّتي التي لا تُروى، إلّا حينَ يَصمُتُ الجميعُ، وتَتكلَّمُ العيون.


 

Comments

Popular